نفرٌ من الناسِ تدورُ في نفوسِهم حرْبٌ عالميَّةٌ، وهم على فُرُش النوم، فإذا وضعتِ الحرْبُ أوزارها غَنِمُوا قُرْحَة المعدةِ، وضَغْطَ الدمِّ والسكَّريَّ. يحترقون مع الأحداثِ، يغضبون من غلاءِ الأسعارِ، يثورون لتأخر الأمطارِ، يضجُّون لانخفاضِ سعْرِ العملةِ، فهم في انزعاجٍ دائمٍ، وقلقٍ واصِبٍ ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾.
ونصيحتي لكَ أنْ لا تحملِ الكرة الأرضية على رأسِكَ، دعِ الأحداث على الأرضِ ولا تضعْها في أمعائِك. إن بعض الناس عنده قلبٌ كالإسفنجة يتشربُ الشائعاتِ والأراجيفَ، ينزعجُ للتوافِهِ، يهتزِ للوارداتِ، يضطربُ لكلِّ شيءٍ، وهذا القلبُ كفيلٌ أن يحطم صاحبهُ، وأن يهدم كيان حامِلِهِ .
أهلُ المبدأ الحقِّ تزيدُهم العِبرُ والعظاتُ إيماناً إلى إيمانِهم ، وأهْلُ الخورِ تزيدُهم الزلازلُ خوفاً إلى خوفِهِم، وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلبٍ شجاعٍ، فإن المِقْدام الباسلَ واسعُ البطانِ، ثابتُ الجأشِ، راسخُ اليقينِ، باردُ الأعصابِ، منشرحُ الصدر، أما الجبانُ فهو يذبح نفسه كلَّ يوم مرات بسيف التوقّعات والأراجيفِ والأوهامِ والأحلامِ، فإن كنت تريدُ الحياة المستقرَّةَ فواجِهِ الأمور بشجاعةٍ وجلدٍ، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون، ولا تك في ضيْقٍ ممَّا يمكرون، كنْ أصلب من الأحداثِ، وأعْتى من رياحِ الأزماتِ، وأقوى من الأعاصيرِ، وارحمتاه لأصحابِ القلوبِ الضعيفةِ، كم تهزُّهم الأيامُ هزّاً ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾، وأما الأُباةُ فهم من اللهِ في مَدَدٍ، وعلى الوعدِ في ثقةٍ ﴿فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾.
من كتاب: لا تحزن للدكتور عائض القرني
صفحة: 66