الإثنين, ديسمبر 23, 2024
Google search engine
الرئيسيةتحفيزيسنرحل ويبقى الأثر: الأرواح ترحل والجسد يبلى، ولكن الأثر يبقى خالداً

سنرحل ويبقى الأثر: الأرواح ترحل والجسد يبلى، ولكن الأثر يبقى خالداً

كظلال تطاردها الشمس الغاربة، تتلاشى حياتنا سريعًا، تاركة وراءها ذكريات باهتة وأسئلة عميقة. فلتكن حياتنا شمعة تضيء دروب الآخرين، حتى بعد أن تنطفئ. قد تبدو الحياة قصيرة، لكن أثرنا فيها خالد. فالأفكار والقيم التي نزرعها في نفوس الآخرين هي بذور خير نغرسها في الأرض. هذه البذور تنمو وتزدهر، لتشكل مستقبلاً أجمل للأجيال القادمة. فالأفعال الحسنة التي نقوم بها هي إرثنا الذي يبقى حياً حتى بعد رحيلنا.

  • إن وعينا بزوال الأيام يدفعنا إلى اغتنام اللحظة، والعيش بمعنى، وترك بصمة خالدة في هذا الوجود.
  • قد تفنى أجسادنا، إلا أن أفكارنا وإبداعاتنا ستظل تضيء دروب الأجيال القادمة.
  • أفعالنا كالحجارة التي نسقطها في بركة، فتثير أمواجًا تتردد صداها إلى الأبد.
  • إن إدراكنا بفنائنا يمكن أن يدفعنا إلى التساؤل عن معنى الحياة وغرضها. وهذا بدوره يمكن أن يدفعنا إلى البحث عن روابط أعمق، واستكشاف قيمنا، والسعي نحو حياة ذات معنى تتجاوز حدود أعمارنا المحدودة.

 

إِنَّما الدُنيا فَناءٌ – لَيسَ لِلدُّنيا ثُبوتُ
إِنَّما الدُنيا كَبَيتٍ – نَسَجَتهُ العَنكَبوتُ

إن تجربة الإنسان متشابكة بشكل جوهري مع وعي الفناء. حياتنا، كظلال عابرة، تترك بصمة مؤقتة على لوحة الوجود الفسيحة. نولد، وننمو، نحب، نفقد، وفي النهاية، نعود إلى التراب. هذه الطبيعة العابرة للحياة، حقيقة جذرية لا يمكن إنكارها لأي كائن واعٍ، يمكن أن تكون مصدراً للحزن العميق أو محفزاً قوياً للعيش بمعنى.

قال الحكماء قديماً: إن الثابت الوحيد في هذا الكون المتجدد هو التغيير. فالحياة كالنهر الجاري، لا يقف مائه لحظة، وكل ما فيها عابر زائل. نحن رمال متحركة على شاطئ الزمن، تأكلنا الأمواج ونعود إلى البحر. فلتكن حياتنا قصيدة تتغنى بجمال الوجود، رغم فنائنا. لأن فكرة الثبات وهمٌ زائل، فكل شيء في هذا الكون يخضع لقانون التغيير، من الذرة إلى الكوكب.

إلا أن هذا الزوال العابر يحمل في طياته فرصة عظيمة للنمو والمعنى. فإدراكنا لضيق أمد حياتنا يمكن أن يكون حافزًا قويًا يدفعنا للعيش بوعي وهدف. إنه يدفعنا إلى احتضان التجارب الجديدة، إلى تقدير أحبائنا، والسعي إلى حياة ذات مغزى. إن معرفة محدودية أوقاتنا يمكن أن تجعلنا أكثر تقديراً للحظة الحالية، أكثر وعياً باختياراتنا، وأكثر حرصاً على اغتنام كل يوم ثمين.

رغم قصر أعمارنا الفردية، فإن الأثر الذي نتركه على هذا العالم يمكن أن يدوم طويلاً بعد رحيلنا. فعملنا، أقوالنا، وإبداعاتنا، لها القدرة على التموج عبر الزمان، مؤثرةً على الأجيال اللاحقة. والأفكار التي نولدها، والمعرفة التي ننشرها، والفن الذي نبدعه، يمكن أن تستمر في إلهام العالم وتشكيله حتى بعد فناء أجسادنا.

لنتأمّل في عظماء التاريخ – العلماء، الفنانين، الفلاسفة، والنشطاء. إن إسهاماتهم في الإنسانية تتجاوز أعمارهم المحدودة.

أيها الأرض خبِّري- عن شباب البسيطة
دُوَل قد تصرَّمت – دولة إثْرَ دولة
وقرون تلاحقت – وعصور تقضَّت
ذهب الدهر كلُّه – بين يوم وليلة

 

إن تأثيرنا الخاص، وإن كان على نطاق أصغر، يمكن أن يكون ذا أهمية كبيرة. فالكرم الذي نُبديه للآخرين، والدعم الذي نقدمه للمحتاجين، والتغييرات الإيجابية التي نجريها في مجتمعاتنا – هذه الأعمال، وإن بدت تافهة في المخطط الكوني، يمكن أن تخلق تأثيرًا متسلسلًا يمتد إلى ما بعد أعمارنا بكثير.

علاوة على ذلك، فإن الإرث الذي نتركه وراءنا لا يقتصر على إنجازاتنا فحسب. بل يتشكل أيضًا بالقيم التي نؤمن بها، والعلاقات التي نبنيها، والحب الذي نشاركه. الذكريات التي نخلقها مع أحبائنا، والدروس التي نعلمها لأطفالنا، والتأثير الإيجابي الذي نتركه على من حولنا – هذه الهدايا غير الملموسة يمكن أن تدوم طويلاً بعد رحيلنا.

لا ينبغي أن يكون إدراكنا بفنائنا سبباً لليأس، بل دعوةً إلى العمل. إنه تذكير بأن الحياة ثمينة وأن كل لحظة هي فرصة لإحداث تغيير. فهو يشجعنا على العيش بوعي وهدف، والسعي وراء شغفنا، والعمل من أجل حياة ذات مغزى وقيمة.

في النهاية، فإن الطبيعة العابرة للحياة هي حقيقة جذرية، ولكنها ليست حقيقة يجب أن نخافها. فباحتضان اللحظة الحالية، والعيش بوعي وهدف، والسعي إلى ترك أثر إيجابي في العالم، يمكننا أن نضمن استمرار إرثنا حتى بعد زوال أجسادنا. إن تأثيرنا، كصدى جرس بعيد، قد يتلاشى مع مرور الزمن، ولكنه سيبقى جزءًا لا يتجزأ من سمفونية الوجود الإنساني العظيمة.

 

نختم المقال بآيتين من القرآن الكريم:

ٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌۭ وَلَهْوٌۭ وَزِينَةٌۭ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌۭ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَـٰدِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصْفَرًّۭا ثُمَّ يَكُونُ حُطَـٰمًۭا ۖ وَفِى ٱلْـَٔاخِرَةِ عَذَابٌۭ شَدِيدٌۭ وَمَغْفِرَةٌۭ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌۭ ۚ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ. 57:20

وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْـَٔاخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ 28:77

 

النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت
إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها
إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها
وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها

 

صهيب الندوي
[Email: Contact@Laahoot.com]

مجلة لاهوت العربية
للتواصل على وسائل التواصل الاجتماعي:
https://www.facebook.com/LaahootArabic

https://x.com/LaaHoot
https://www.youtube.com/@LaaHoot.Arabic

مقالات ذات صلة

التعليقات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة